Shutterstock_1307941531_1

النحو وأهميته بين العلوم

مقدمة:

النحو علم يبحث في قواعد اللغة العربية لمعرفة ضبط أواخر الكلمات حسب موقعها من الجملة، وهو الضامن للفهم الصحيح لنصوص اللغة العربية، إذ بتغير حركة آخر الكلمة يتغير معناها، كقولنا: سبقَ زيدٌ خالداً، يفهم من هذه الجملة أن زيد هو السابق حتى ولو تأخر موقعها من الجملة، فإن قلنا سبق خالداً زيدٌ، يبقى المعنى كما هو.

كان العربي يعرف النحو سليقة، فلم يدون أي قاعدة من القواعد إلا حين انتشر اللحن بين الناس بعد الفتوحات الإسلامية واختلاط العرب بالعجم، وكان من قصة وضعه أن ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت لأبيها: ما أجملُ السماءِ، وكانت تريد التعجب، إلا أنه فهم من قولها الاستفهام، فأجابها أبوها: نجومها، فقالت ما هذا أردت، بل أردت التعجب، فقال لها: إذاً قولي : ما أجملَ  السماءَ، وذهب يشتكي للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه شيوع اللحن، فقال له الإمام علي: الكلمة اسم وفعل وحرف اذهب فانحُ هذا النحو.

تعريف النحو:

النحو لغة: القصد، وقد ذكر علماء المعاجم لها خمسة معاني:

  1. القصد: يقال: نحوتُ نحوَك، أي قصدْتُ قصدَكَ.
  2. المثل: يقال: مررت برجلٍ نحوك، أي برجل مثلك.
  3. الجهة: يقال: توجهتُ نحوَ البيت، أي جهة البيت.
  4. المقدار: يقال: له عندي نحو ألف، أي مقدار ألف.
  5. القِسْم: يقال هذا على أربعة أنحاء، أي أربعة أقسام

النحو اصطلاحاً : قال ابن خلدون النحو هو العلم الذي يهدف إلى ضبط الملكة اللسانية بالقوانين المستقراة.

أهمية علم النحو:

علم النحو العربي من العلوم التي سبقت باقي علوم اللغة العربية ، ولا بد لطالب العلم من الاهتمام بالنحو وتعلمه، إذ لا يمكن استغناء عن علم النحو من أجل فهم ما يُكتب ويُقال، وتتجلى أهمية علم النحو في النقاط الآتية:

1. أهمية علم النحو في فهم القرآن الكريم:

يرتبط النحو ارتباطاً وثيقاً مع علوم القرآن وخصوصاً التفسير، حيث لا يمكن أن يُتصور فهم كامل لمعاني القرآن الكريم دون معرفة النحو، وبدون هذه المعرفة يتعرض النص القرآني للتحريف وتغيير المعنى مما جعل العلماء يعتبرون علم النحو أصلاً من أصول علوم الشريعة وعلل ابن عطية ذلك بقوله: “لأنّه بذلك تقوم معانيه التي هي في الشّرع”، فالجهل بالحركة الإعرابيّة في النّصوص القرآنية يؤدّي إلى تحريف المعنى عن مقصده، وقد تُفضِي في بعض المواضع إلى الإتيان بمعنى مقصده “الكُفر”، ومِثاله قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)،[٣] فلو تمّ نصب كلمة (العُلماءَ)، ورفع لفظ الجلالة (اللهُ)، لوُضع الله -وحاشاه- في مقام الخشية، وهذا تحريف فظيع، وكما قال (عبد القاهر الجرجانيّ) في مَن يُقابل عِلم النّحو بالإهمال والاستصغار: “فصنيعهم في ذلك أشبه بأنْ يكون صدّاً عن كِتاب الله، وعن معرفة معانيه”، وفيما يلي أمثلةٌ توضيحيّةٌ على أهميّة الحركة الإعرابيّة في فهم القرآن الكريم:

 

المثال التوضيح
قوله تعالى: (أنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)

 

لو تمّت قراءة الآية بتحريك كلمة (وَرَسُولِهُ) -بكسر الّلام- سيفسد المعنى بشكلٍ كاملٍ، إذ سيصبح المعنى: (أنّ الله بريء من المُشركين وبريء من رسوله أيضاً)، وحاشا ذلك، وسبب فساد المعنى يعود إلى الضّبط غير الصّحيح
قوله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) لو تمّت قراءة الآية بتحريك كلمة (وَيَعْقُوبَ) -بفتح الباء- أي بعطف كلمة (يَعْقُوبُ) على كلمة (بَنِيهِ) بالنّصب سيفسد المعنى؛ إذ كيف يوصِي سيدنا إبراهيم -عليه السّلام- يعقوب، وهو لم يُولد بعد.
قوله تعالى: (وكلَّم اللهُ موسى تكليما) لو تمّت قراءة الآية بتحريك لفظ الجلالة (اللهَ) -بفتح الهاء- أي؛ بالنّصب، سيفسد المعنى، لأنه في هذه الحال ينفي صِفة الكلام عن الله.

2. أهمية علم النحو في فهم الحديث الشريف:

لا يمكن الاستغناء عن علم النحو في فهم الأحاديث الشريفة، فما زال علم النحو من أهم أدوات السنة النبوية، ومن العلماء من أشار إلى أهمية تعلم علم النحو قبل علم الحديث، فقد روى وكيع بن الجراح قال: (أتيتُ الأعمش أسمع منه الحديث، وكنتُ ربما لحَنْتُ. فقال لي: يا أبا سفيان تركت ما هو أولى بك من الحديث. فقلت يا أبا محمد وأي شيء أولى من الحديث؟ فقال: النحو)، وفيما يلي أمثلة توضّح أهميّة عِلم النّحو في فهم الحديث:

المثال

التوضيح

في الحديث النّبويّ: (رُوَيدًا أيُّها النَّاسُ، عليكم السَّكينةَ؛ فإنَّ البِرَّ ليس بالإيضاعِ)

 

 

إذ لو تمّ قراءة الحديث بتحريك كلمة (السَّكينةُ) -بضمّ التّاء المربوطة- سيفسد المعنى المُراد من الحديث الذي يدعو النّاس بقول: “الزموا أنتم السّكينةَ”
في الحديث النّبويّ: (إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ)

 

يدل الحديث هنا بلفظ -أهْلَكُهُمْ- أي بضمّ الكاف إلى أنّ هذا الرجل هو أكثر الناس هلاكاً، إلا أنّه في حال قرئ بلفظ -أهلكَهم- أي بفتح الكاف، فسيختلف المعنى هنا ليشير بأنّه كان سبباً في هلاك الناس، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الحديث يُروى بهاتين الروايتين، إلّا أنّه اشتهر عند العُلماء برواية الرّفع لا الفتح.

 

3. أهمية علم النحو في الحفاظ على اللغة العربية:

أهمية علم النحو تعود إلى أنه يحافظ على اللغة العربية، ويحميها من الفساد، فإن أي تغيير في حركة الكلمة يُفسد المعنى، كما مر معنا في قصة وضع علم النحو، في المحادثة بين أبي الأسود الدؤلي وابنته، وكمثال آخر ، الفرق بين (لا) الناهية و(لا) النافية، فإن (لا) الناهية تجزم الفعل المضارع بينما (لا) النافية لا عمل لها، كقول الحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر :

دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها         واقعدْ فإنك أنت الطاعم الكاسي

فلو ضُبطت كلمة ترحل بالرفع لفسد المعنى، ولخرج المعنى من غرض الهجاء.

4. أهمية النحو في فهم تراكيب اللغة العربية:

للنحو دور أساسي في فهم المعاني المختلفة للتراكيب العربية، لأنّ المعنى الواحد للكلمة يختلف باختلاف الحركات الإعرابيّة المُختلفة لها ضمن التّركيب الّلغويّ، وفيما يلي توضيح لأهميّة عِلم النّحو في فهم المعاني المُختلفة للجُملة نفسها إذا تشكّلت بحركات مُختلفة كلّ مرّة، الجملة (أكرم النّاس أحمد)، قد يكون فهمها صعباً دون تشكيل، إلّا أنّه بوضع الحركة الإعرابيّة يتّضح الاختلاف في كلّ مثال:

  1. أكرمَ الناسُ أحمدَ، المعنى: الناس هم الذين أكرموا أحمد.
  2. أكرمَ النّاسَ أحمدُ. المعنى هو: أحمد هو الذي أكرم النّاس.
  3. أكرمُ النّاسِ أحمدُ. المعنى هو: أحمد هو أكرمُ الناس.
  4. أكرمِ النّاسَ أحمدُ. المعنى هو:  يا أحمد أكرمِ النّاسَ. بالأمر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

القائمة الرئيسية
Close

السلة

تم العرض

آخر المنتجات التي تم استعراضها

Close

Quickview

Close

الأقسام

WhatsApp اطلب كتابك ..